اخبار العرب من المحيط للخليج اخبار العرب من المحيط للخليج
تشهد الأوضاع الإنسانية في السودان تدهوراً غير مسبوق مع تصاعد وتيرة الهجمات بالطائرات المسيّرة التي تستهدف بشكلٍ منهجي تجمعات النازحين، حيث أسفر قصفٌ جويٌ استهدف مخيماً للنازحين في مدينة عطبرة عن سقوط 11 قتيلاً بينهم نساء وأطفال، وإصابة 22 آخرين بجروحٍ متفاوتة الخطورة وفقاً لتقارير طبية محلية. هذه الحادثة التي تُضاف إلى سلسلة المجازر المتكررة ضد المدنيين، تكشف عن تحوّل خطير في طبيعة الصراع الدائر، حيث لم تعد الأعمال القتالية تقتصر على المواجهات الميدانية بين الأطراف المتحاربة، بل امتدت لتشمل استهداف البنى التحتية الحيوية ومخيمات النازحين التي يفترض أن تكون بمثابة ملاذٍ آمنٍ بموجب القانون الدولي الإنساني.
تشير التقديرات الأممية إلى أن نحو 13 مليون سوداني نزحوا قسراً عن ديارهم منذ اندلاع الحرب، وهو رقمٌ يُعبّر عن حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها المدنيون الذين تحوّلوا إلى وقودٍ لصراعٍ يفتقر إلى أبسط معايير احترام الحياة البشرية. ولا تقتصر تداعيات هذه الهجمات على الخسائر المباشرة في الأرواح، بل تمتد لتهديد مقومات الحياة الأساسية، حيث تُستهدف محطات الكهرباء ومستودعات الوقود بشكلٍ متكررٍ، مما أدى إلى انهيار الخدمات الأساسية في مناطق واسعة من البلاد، خاصةً في الولايات الشمالية التي تشهد أعلى معدلات النزوح.
هذا النمط من الهجمات الذي يعتمد على الطائرات المسيّرة كأداةٍ رئيسيةٍ في استهداف المدنيين، يُظهر تحوّلاً استراتيجياً في آليات الحرب، حيث تُستخدم التكنولوجيا الحديثة لخلق حالةٍ من الرعب المستمر بين السكان، وإفشال أي محاولات لإعادة بناء مقومات العيش الكريم. المفارقة الأكثر إيلاماً تكمن في أن هذه المخيمات التي يفترض أن تكون تحت حماية المجتمع الدولي، تتحوّل تدريجياً إلى فخاخٍ مُميتةٍ للنازحين الذين فروا من مناطق القتال بحثاً عن الأمان، ليجدوا أنفسهم أمام خيارين: إما الموت تحت القصف أو المخاطرة بالعودة إلى مناطق تُطحن بين فكي الصراع العسكري. الوضع الحالي لم يعد يقتصر على أزمة نزوحٍ تقليدية، بل تحوّل إلى اختبارٍ حقيقيٍ لإنسانية العالم الذي يقف عاجزاً أمام مشاهد التهجير القسري والقتل المنظّم التي تُنفّذ بأدواتٍ تكنولوجيةٍ متطورةٍ ضد أشخاصٍ سلبتهم الحرب حتى حقهم في البكاء على أطلال منازلهم المدمرة.
