كشف تحقيقٌ عسكريٌ إسرائيليٌ صادرٌ حديثاً عن سلسلة إخفاقاتٍ كارثيةٍ تعرّضت لها القوات الإسرائيلية أثناء الدفاع عن مستوطنة “نير إسحاق” خلال هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث أقرّت الوثيقة بأن وحدات الجيش وصلت إلى الموقع بعد دقائقَ من انسحاب المهاجمين، في مؤشرٍ على انهيار منظومة القيادة والسيطرة بشكلٍ تامّ. التفاصيل التي تضمّنها التحقيق تُظهر فجواتٍ عميقةً في آلية الاستجابة العسكرية، بدءاً من التأخر في إرسال التعزيزات، ومروراً بفشل أجهزة الاستخبارات في توقُّع حجم الهجوم، وانتهاءً بعجز القادة الميدانيين عن تقييم الموقف بدقةٍ بسبب انهيار شبكات الاتصال.
التحليل المُفصّل للحادثة يكشف أن المستوطنة، التي كان من المفترض أن تكون تحت الحماية المباشرة للجيش، تحوّلت إلى نموذجٍ مصغّرٍ لأزمةٍ مؤسسيةٍ تعصف بالمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، حيث أدّى غياب التنسيق بين الوحدات إلى ترك المدنيين دون غطاءٍ دفاعيٍّ فعّالٍ لساعاتٍ طويلةٍ. الوثيقة أشارت إلى أن القيادات العليا لم تكن تملك تصوراً واضحاً عن طبيعة الأحداث الجارية على الأرض أثناء الهجوم، مما أدى إلى قراراتٍ متأخرةٍ زادت من حصيلة الخسائر، في سيناريو يُعيد إنتاج إشكالياتٍ تاريخيةٍ في آليات اتخاذ القرار داخل الجيش الإسرائيلي.
هذه النتائج تأتي في سياق تصاعد الانتقادات الموجهة إلى المستويين العسكري والأمني الإسرائيليين، ليس فقط لفشلهم في منع الهجمات، بل أيضاً لعدم القدرة على التعامل مع تداعياتها على المدى الطويل. التحقيق يُسلّط الضوء على كيفية تحوُّل “نير إسحاق” إلى رمزٍ لإخفاقاتٍ منهجيةٍ تتجاوز الحادثة الفردية، حيث تُظهر الوقائع أن انهيار البنى التحتية للاتصالات العسكرية حال دون توجيه القوات بشكلٍ صحيحٍ، بل إن بعض الوحدات اضطرت إلى الاعتماد على معلوماتٍ منشورةٍ عبر وسائل التواصل الاجتماعي لفهم ما يحدث حولها.
التقرير لا يقتصر على كشف الإخفاقات اللوجستية، بل يُلامس أيضاً أزمةَ ثقةٍ بين القيادات السياسية والعسكرية من جهة، والجمهور الإسرائيلي من جهةٍ أخرى، خاصةً مع تكرُّر سيناريو “الوصول المتأخِّر” في أكثر من موقعٍ خلال الهجمات. هذه الديناميكية تُعيد طرح أسئلةٍ جوهريةٍ حول قدرة المؤسسة العسكرية على حماية المستوطنات في ظلّ تصاعد التهديدات غير التقليدية، وكيفية تعاملها مع التحديات الأمنية في المناطق الحدودية التي تزداد هشاشةً مع كلّ تطوّرٍ في أساليب المواجهة.