[ad_1]
بإجراءات بسيطة.. نجت مدن أميركية من مرض قتل 50 مليوناً
ما بين عامي 1918 و1920، مرت البشرية بأسوأ جائحة أنفلونزا عرفها التاريخ حيث شهد العالم ظهور وتفشي الأنفلونزا الإسبانية التي تسببت خلال أشهر في وفاة ما يزيد عن 50 مليون شخص وهو الرقم الذي قدّر بأضعاف عدد ضحايا الحرب العالمية الأولى التي انتهت يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1918.
الأنفلونزا الإسبانية
وقد سميت هذه الجائحة بالأنفلونزا الإسبانية بشكل خاطئ نسبة لإسبانيا بسبب التعتيم الإعلامي على أعداد الضحايا الذي مارسته الأطراف المشاركة بالحرب العالمية، حيث قدّمت إسبانيا التي حافظت على حيادها حينها تقارير وأرقام مفزعة عن المرض الذي نسب إليها بعد أن آمن كثيرون بظهوره بها.
وبالولايات المتحدة الأميركية، أصيب 28 بالمائة من إجمالي المواطنين المقدر عددهم بحوالي 105 ملايين نسمة بالأنفلونزا الإسبانية وفارق 600 ألف منهم الحياة بسبب تبعات هذا المرض.
وقد سجلت أولى الإصابات بالأنفلونزا الإسبانية بأميركا داخل إحدى القواعد العسكرية بكنساس خلال شهر آذار/مارس عام 1918.
موجة ثانية
وبخضم الموجة الأولى للأنفلونزا الإسبانية، فارقت نسبة ضئيلة من الأميركيين الحياة بسبب المرض حيث شفيت النسبة الساحقة من المصابين بهذا المرض خلال فترة وجيزة.
وبحلول صيف 1918، آمن الجميع بزوال تهديد الأنفلونزا الإسبانية بسبب التراجع الكبير في نسبة الإصابات. لكن مع بداية الخريف، عاشت الولايات المتحدة الأميركية على وقع أهوال الموجة الثانية من المرض الذي تسبب بشهر تشرين الأول/أكتوبر وحده في وفاة 200 ألف أميركي.
وخلال موجة المرض الثانية، سجلت فيلادلفيا أولى حالة إصابة بالأنفلونزا الإسبانية يوم 17 أيلول/سبتمبر 1918. وأملا في منع انتشار المرض، اتخذ المسؤولون إجراءات بسيطة وخجولة عن طريق إطلاق حملة ضد السعال والعطس والبصق بالشوارع.
إجراءات خجولة
وعلى الرغم من خطر تفشي الأنفلونزا الإسبانية، رفضت سلطات فيلادلفيا منع التجمعات ووافقت بعد حوالي 10 أيام فقط على إقامة استعراض محلي سنوي تدافع خلاله نحو 200 ألف شخص.
وبعد مضي 72 ساعة فقط عن نهاية الاستعراض، تكدّس عدد كبير من المصابين بالأنفلونزا الإسبانية بمستشفيات فيلادلفيا. وبعد أيام ذهل الجميع لسماعهم بخبر وفاة أكثر من ألف شخص بسبب المرض.
من جهة ثانية، واصل عدد الإصابات بالأنفلونزا الإسبانية الارتفاع يوميا. ومع بلوغه لحوالي 20 ألف حالة يوم 3 تشرين الأول/أكتوبر 1918 وافقت سلطات المدينة أخيرا على إغلاق المدارس والكنائس والمسابح العمومية والمسارح أملا في منع التجمعات.
السلطات ترضخ
أيضا، صنّفت مدينة بيتزبرغ (Pittsburgh) بولاية بنسلفانيا كأكثر المدن تضررا بسبب الأنفلونزا الإسبانية. فبعد اتخاذها لإجراءات متأخرة لمنع التجمعات وإغلاق المرافق، نقل 25 ألفا من سكان بيتزبرغ نحو المستشفيات بسبب الأنفلونزا الإسبانية كما فارق ما لا يقل عن 4500 من سكان المدينة الحياة عقب تدهور حالتهم الصحية.
وبحسب المصادر الصحية ببيتزبرغ، أصيب كل 70 ثانية شخص بالأنفلونزا الإسبانية بينما فارق آخر الحياة كل 10 دقائق.
ويوم 29 تشرين الأول/أكتوبر 1918، سجلت المدينة رقم وفيات يومي مفزع حيث توفي حينها 176 شخصا بسبب المرض خلال 24 ساعة وهو الرقم الأعلى طيلة فترة جائحة الأنفلونزا بالولايات المتحدة الأميركية.
تدابير قاسية
وإضافة لفيلادلفيا التي بلغ معدل الوفيات بها 784 على كل 100 ألف ساكن وبيتزبرغ التي بلغ بها 807 وفاة على كل 100 ألف ساكن طيلة 6 أشهر من المرض، سجلت مدن أخرى كنيو أورلينز وبوسطن وسان فرانسيسكو وناشفيل وواشنطن ودنيفر أرقاما مفزعة بسبب اتخاذها لإجراءات وقائية متأخرة.
فمع التمدين والنمو الديموغرافي الكبير الذي شهدته المدن الأميركية مقارنة بالقرون السابقة، أصبحت عمليات احتواء الأوبئة أمرا صعبا.
ومع غياب الدواء والتلاقيح، مثّلت الإجراءات الاستباقية كمنع التجمعات وإغلاق المدارس والكنائس والمسارح واعتماد الحجر الصحي خط الدفاع الأول للتصدي للأوبئة.
من جهة ثانية، شهدت مدن كنيويورك وشيكاغو وكليفلاند معدلات وفيات متدنية بلغت نصف تلك المسجلة بفيلادلفيا بفضل اعتمادها لإجراءات مبكرة لمواجهة الأنفلونزا الإسبانية.
أيضا، عمدت بعض المدن لإجراءات قاسية لإجبار المواطنين على احترام قواعد الصحة المفروضة. ففي سان فرانسيسكو أطلق شرطي الرصاص على 3 أشخاص بعد أن رفض أحدهم ارتداء القناع الواقي، المعروف أيضا بالكمامة.
كما اعتقل أفراد الأمن كل من ارتداها بشكل خاطئ وأجبروه على دفع غرامة مالية وبأريزونا حصل كل من خرج للشارع بدون كمامة على غرامة قدرت بعشرة دولارات.
على حسب دراسات حديثة، ساهمت سياسة الإبعاد الاجتماعي، كإغلاق المدارس والكنائس وإلغاء التجمعات والاحتفالات وفرض الحجر الصحي، في إنقاذ العديد من المدن الأميركية وتخفيف حدّة الأنفلونزا الإسبانية.
أيضا، أكدت نفس الدراسة على ضرورة عدم تخفيف هذه الإجراءات قبل الأوان لتجنب ما حصل بمدينة سانت لويس التي شهدت معدل وفيات ضعيف بفضل اعتمادها لسياسات وقائية مبكرة قبل أن تعرف ارتفاعا سريعا ومذهلا لعدد الوفيات عقب تخفيفها لهذه الإجراءات.
[ad_2]