فرضت السلطات الإيرانية قيودًا إعلامية غير مسبوقة حيث منعت بشكل كامل نشر أي صور تظهر اللقاءات بين نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمبعوث الأمريكي الخاص خلال جولة المفاوضات التي عقدت يوم السبت الماضي. جاء هذا القرار في إطار سياسة التعتيم الإعلامي التي تنتهجها طهران تجاه التفاصيل الدقيقة للمحادثات النووية الجارية، مما أثار العديد من التساؤلات حول أهداف هذه الرقابة المشددة.
ووفقًا لمصادر مطلعة، فإن القيادة الإيرانية اتخذت قرارًا حاسمًا بعدم السماح لأي وسائل إعلامية، سواء محلية أو دولية، بنشر الصور التي تظهر التفاعلات المباشرة بين الجانبين الإيراني والأميركي، في خطوة تفسر على أنها محاولة للسيطرة على الرواية الإعلامية للمفاوضات وتجنب أي ردود فعل داخلية قد تثيرها مشاهد التقارب بين الطرفين. وقد التزمت جميع وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية بهذه التعليمات بشكل دقيق، حيث اقتصرت التغطية على البيانات الرسمية الجافة دون أي صور أو تفاصيل حية عن سير المفاوضات.
ويعد عباس عراقجي أحد أبرز الوجوه الدبلوماسية الإيرانية وأكثرها خبرة في الملف النووي، حيث يمثل الرجل الثاني في الوفد المفاوض بعد علي باقري كني. أما عن المبعوث الأميركي، فقد حرصت إيران على عدم ذكر اسمه بشكل صريح في تغطياتها الإعلامية، في إشارة واضحة إلى سياسة التعتيم المتعمدة التي تتبعها طهران في تعاملها مع وسائل الإعلام خلال هذه الجولة الحساسة من المفاوضات.
هذا الإجراء الإيراني يأتي في سياق التوتر الشديد الذي يشهده الرأي العام الإيراني تجاه أي شكل من أشكال التقارب مع الولايات المتحدة، خاصة في ظل الخطاب الرسمي المتشدد الذي تتبناه طهران منذ سنوات. وتحاول القيادة الإيرانية بهذه الخطوة تجنب إثارة أي جدل داخلي قد يستغله التيار المتشدد لانتقاد فريق المفاوضات، مع الحفاظ على مساحة للمناورة في الخفاء.
من جهة أخرى، يرى مراقبون أن هذا القرار يعكس الحساسية البالغة التي تتعامل بها إيران مع ملف المفاوضات النووية، حيث تفضل إدارة الملف بعيدًا عن الأضواء الإعلامية لتجنب أي ضغوط قد تؤثر على سير المفاوضات. كما أن هذا التعتيم الإعلامي يمنح طهران مرونة أكبر في إدارة توقعات الجمهور الداخلي، ويحول دون أي قراءات مبالغ فيها لأي لغة جسد أو تفاصيل قد تظهر في الصور.
في المقابل، انتقدت بعض الأوساط السياسية الإيرانية المعتدلة هذا النهج، معتبرة أنه يزيد من حالة الغموض حول المفاوضات ويحد من الشفافية التي كان من الممكن أن تعزز ثقة الشارع الإيراني في عملية التفاوض. بينما دافع التيار المحافظ عن القرار، مؤكدًا أن “بعض الصور قد تعطي انطباعات خاطئة وتستغل من قبل الأعداء”.
يذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تفرض فيها إيران رقابة على صور مفاوضاتها الدولية، لكن هذه المرة تتميز بصرامة غير معهودة، خاصة أن المفاوضات تجري في مرحلة بالغة الحساسية قد تحدد مستقبل الاتفاق النووي والعلاقات الإيرانية-الأميركية لعقود قادمة. ولا يزال الغموض يلف الكثير من التفاصيل حول ما تم التوصل إليه خلال هذه الجولة من المفاوضات، التي توصف بأنها قد تكون الأخيرة لإنقاذ الاتفاق النووي.