[ad_1]
ظلت كتابات تشارلز بوكوفسكي – قبل أن يصبح روائيًا كبيرًا – تواجه الرفض لسنوات من كل صحيفة أو مجلة. ومع تراكم رسائل الرفض كان ثقل الفشل يتزايد ويدخله في اكتئاب. كان لديه وظيفة بأحد مكاتب البريد نهارًا، ويخصص وقتًا للكتابة ليلًا. مضت أعوامًا على هذا الحال حتى بلغ الخمسين. وفي إحدى المرات؛ أبدى أحد دور النشر اهتمامًا بكتاباته، لم يعده بالمال، لكنه قرر المراهنة عليه. رد بوكوفسكي: “لي أن أختار واحدًا من اثنين: البقاء في مكتب البريد حتى أجن تمامًا أو القيام بدور الكاتب وأتضور جوعًا، لقد قررت أن أتضور جوعًا”.
ماوريسيو ساري، المدرب الإيطالي، سار على نهج كاتبه المفضل تمامًا: لم يترك هوايته يومًا رغم أنه لم يملك إمكانياتها، وكان لديه وظيفة أخرى، لكنه ظل يحاول. بدأ عند الخمسين حتى استطاع أن يحقق نجاحًا معقولا بعد سنوات، تخلى عن الوظيفة الآمنة لأجل ما يحبه. واليوم يبلغ الستين من عمره، ويقف ممسكًا بأول ميدالية في حياته، وهي بطولة الدوري الأوروبي مع أحد أكبر الأندية. ينظر إليها بتأمل وكأنها دليله على تحقيقه لأكثر أحلامه جنونًا.
ماوريسيو المولود في نابولي لأب يعمل مُشغل رافعة وعاش طفولته في فلورنسا، كان الوحيد في مدرسته “توسكان” الذي يشجع نادي نابولي بين أصدقاءه. ورغم ولعه بكورة القدم إلا أن إمكانياته لم تساعده أن يصبح لاعبًا.
استبدل حبه للكورة بركوب الدراجات لفترة، ثم جذبه عالم الألعاب والتحليلات ووضع الخطط؛ فدرس المحاسبة، وعمل بأحد البنوك، الذي سافر معه إلى لوكسمبرج، زيورخ، لندن. لكن كل ذلك لم يملأ ما بداخله، لم يجد نفسه بهذا الدور.
اعتاد أن يذهب خلال فترة التسعينيات إلى أندية الهواة ليتابع ويكتسب خبرة حتى أقنع أحد الأندية أن يبدأ معها مدربًا.
بدأت مسيرته عام 2000 مع نادي سانسوفينو الذي كان بالدرجة السادسة ووصل معه إلى الرابعة، ثم وصل إلى الدرجة الثالثة مع “سانغيوفانيسي”، ما دفع نادي الدرجة الثانية “بيسكارا” إلى التعاقد معه عام 2005.
كان قد ترك وظيفته في مغامرة غير محسوبة، لم يكن هو نفسه واثقًا منها.
اختار أسلوبه الخاص في اللعب بـ12 ناديًا تنقل بينهم قبل أن يصل إلى تشيلسي في منتصف العام الماضي، أسلوبه الذي يرتاح إليه بحكم سنه وشخصيته، ولا يحب أن يتخلى عنه.
استعان “مستر 33” – كما أشتُهِر بين لاعبي نادي إمبولي – لأنه كان يضع 33 سيناريو في التدريبات، بطائرة “درون” صغيرة تطوف أرجاء ساحة التدريبات، وبالورقة والقلم ليدون ملاحظاته طوال الوقت بدقه.
“في نابولي ، كنت محظوظًا جدًا لأن أجد لاعبي يتأقلمون مع طريقتي في كرة القدم. لقد كانوا أقوياء كلاعبين وأقوياء إنسانيًا”..
وضعت عليه مهام ثقيلة لتحسين أداء وصورة نادي إمبولي ومن بعده “نابولي”، وقد نجح. لم تظهر نتائجه في نقاط وأرقام وحسب إنما في تطويره لأداء لاعبيه: القائد “هامشيك”، لاعب الوسط “جورجينيو”، الثنائي الهجومي “إنسيني” و”ميرتينز”، والأرجنتيني “هيجواين”، الذي سجل معه في موسم ضعف ما سجله مع مدربه السابق، والذي انتقل فيما بعد مع “ساري” إلى تشيلسي.
قال عنه الأسطورة مارادونا “لا يصلح لتدريب نابولي”، ثم عاد واعتذر: “لقد كنت مخطئًا بشأن ساري، أتمنى أن يسامحني”. كما أشاد به المدير السابق لنادي ريال مدريد، أريجو ساكي: ” فهو عبقري، كل اللاعبين يتحسنون معه”.
لكن ذلك لم يكن كافيًا ليرضى الجميع عن قرار توليه تدريب “تشيلسي”، لم يكن مرحبًا به من أعضاء بإدارة النادي وبعض لاعبيه، ربما واقعة حارس مرمى النادي الشهيرة أظهرت ذلك؛ عندما رفض الإسباني “كيبا” الخروج من الملعب بناء على تعليمات ساري خلال المباراة التي تجمعهم بمانشستر سيتي، مما سبب غضب الأخير وكاد يغادر أرض الملعب.
“يجب أن أعرف خصائص اللاعبين. علي أن أتكيف معهم. الآن أنا أدرسهم”..
انفعالات ساري الكبيرة تكشف عن شخصية ذات أطوار حادة وغريبة إلى حد ما، لا تعكسها ابدًا ملامحه: فهو المداوم على التدخين بالملاعب حتى صدمه عدم قانونية ذلك بالملاعب الإنجليزية؛ فتلك هى عادته المحببة إلى جانب قهوته الإسبريسو التي تأتي ثلاث مرات يوميًا في مواعيد مُحددة، هو أيضًا الذي لا يحب رقم 17، لدرجة أنه إذا وجده رقم غرفته بالفندق يغيرها فورًا – حسب أحد أصدقاءه- وهو الذي لم يكن يفضل التدريب على نفس الملعب يومين متتالين.
ربما أدخلته انفعالاته في أكثر من ورطة! فتراشق بالألفاظ مع مدرب إنتر ميلان، روبيرتو مانشيني، خلال مباراة مُتهِمًا إياه “بالشاذ جنسيًا”، ورفض مصافحة بيب جوارديولا المدير الفني لـ”مانشستر سيتي”، بعد فوز الأخير بسداسية دون رد في إطار مباريات الدوري الإنجليزي.
وعلى عكس ذلك، كان هناك مشهدًا مغايرًا تمامًا مع مدرب ليفربول، يورجن كلوب، الذي عانقه في نهاية إحدى المبارايات بين الفريقين. وقتها صرح ساري لصحيفة “كورييري ديلو سبورت” الإيطالية: “هناك لحظات تتخلى عن الندم -حتى في حالة تلقيك هدفا في الدقائق الـ5 الأخيرة- بسبب جمال المباراة. قبل النهاية رأيت كلوب ينظر لي، سألته: لماذا تبتسم؟ فأجاب: ألا تشعر بالاستمتاع؟ أجبته: مستمتع للغاية”.
ذلك ما عبر عنه ساري يوضح أن هذا الرجل يهتم باللعب الجيد ربما أكثر من الفوز نفسه، يريد أن يرى على العشب الأخضر نتاج تفكيره ساعات طويلة يجلسها في مكتبه أو حتى عندما يسافر ويتنزه مع زوجته “مارينا” وابنه.
“لا أستطيع التفكير في هذا كعمل. إنها 12 أو 13 ساعة ، لكن بالنسبة لي ، فهي ليس بعمل”..
يحكي عنه بإحدى اللقاءات، سيمون سيمونتي، لاعب خط الوسط تحت قيادة ساري في نادي “US Faellese”: “أنه بعد هزيمة في إحدى المبارايات كتب على الحائط إن الشخص العظيم ليس هو من لا يفشل إنما من يفشل ويستطيع أن يعود ثانية”.
الآن ساري في مكانة أخرى غير التي كان عليها طوال حياته بعد أن قدم منتجًا ممتعًا: حصدت “تشيلسي” على الدوري الأوروبي أمس الأول للمرة الثانية بعد سنوات، واحتل المركز الثالث بموسم الدوري لتحجز به مكانها في دوري أبطال أوروبا المقبل. على الناحية الأخرى في بلده، تضع مقاهي نابولي صورًا له، ويقول صاحب أحداها: “إنه عندنا مثل مارادونا”، وتفيد تقارير أنّ ناديان من الدوري الإيطالي يتفاوضان معه، أبرزهم “يوفنتوس” الحاصل على أخر 8 نسخ متتالية للدوري.
إذن ربما تتكرر نظرة ماوريسيو ساري إلى الميدالية مجددًا في سنواته القادمة بعد الستين.
“لقد صنعت العديد من الذكريات خلال فترة وجودي مع تشيلسي، والتي سوف آخذها معي في التحدي التالي”..
Source link