تعود “مسيرة الأعلام” الإسرائيلية كل عام لتكشف عن أحد أوجه الاحتلال الأكثر استفزازًا وإيلامًا للشعب الفلسطيني، خاصة في مدينة القدس التي تظل عنوانًا للصراع، ومرآةً للانتهاكات المتكررة. تقام هذه المسيرة سنويًا في ذكرى ما تسميه إسرائيل “توحيد القدس”، أي احتلال الجزء الشرقي من المدينة في عام 1967، بينما يراها الفلسطينيون، ومعهم شرفاء العالم، يومًا يُعمّق الجراح ويعيد التذكير بالقهر والتهجير والظلم.
تجوب المسيرة شوارع البلدة القديمة، وغالبًا ما تتعمد المرور من باب العامود، أحد أهم رموز القدس الشرقية، في مشهد استعراضي يُغلفه الطابع الديني القومي، لكنه محمّل برسائل تهديد واستفزاز للفلسطينيين الذين يُجبرون على إغلاق محالهم التجارية وتحمّل موجة من الشعارات العنصرية التي يطلقها المشاركون في المسيرة ضدهم. وتتحول المنطقة خلال هذا الحدث إلى ثكنة عسكرية، حيث تنتشر قوات الاحتلال بأعداد كبيرة لتأمين المسيرة، لكنها في الحقيقة تُمارس القمع ضد الفلسطينيين وتعتقل من يجرؤ على الاحتجاج أو حتى على مجرد التواجد في المكان.
وعلى الرغم من أن المسيرة يُسوّق لها باعتبارها حدثًا احتفاليًا، فإنها تحمل في جوهرها رغبة واضحة في فرض السيطرة على المدينة المقدسة وتكريس واقع التهويد، في محاولة مستمرة لتغيير الطابع الديموغرافي والتاريخي والديني للقدس. ويعيش المقدسيون في تلك اللحظات شعورًا بالغضب والحزن، ليس فقط بسبب القيود المفروضة عليهم في قلب مدينتهم، ولكن أيضًا نتيجة لتجاهل العالم لمعاناتهم المتواصلة.
ومع كل عام، تزداد رمزية “مسيرة الأعلام” بوصفها أداة استفزاز سياسي وديني، تأتي على أنقاض الحقوق الفلسطينية المنكوبة، وتُجسد حجم الانفصال بين من يحتفل بالاحتلال ومن يعيش نتائجه اليومية من قمع وحرمان. هي ليست مجرد مسيرة، بل مشهد متكرر من مشاهد الظلم الذي يتجرعه الفلسطينيون، في انتظار عدالة غائبة ونصرة حقيقية تضع حدًا لاحتلالٍ طال أمده.