في تطور لافت يعكس تصاعد التوترات بين موسكو وكييف، شهدت مدينة سان بطرسبورغ الروسية هجومًا نفذته طائرات مسيّرة يُعتقد أنها أوكرانية، وذلك بالتزامن مع زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المدينة لحضور فعاليات الاحتفال بيوم البحرية، وهو اليوم الذي يُعتبر من أبرز المناسبات العسكرية في روسيا ويتم الاحتفال به سنويًا بعروض ضخمة في مختلف المدن الساحلية.
وبينما كان من المقرر أن يقام عرض بحري كبير بهذه المناسبة في المدينة الواقعة شمال غرب البلاد، أعلن المتحدث الرسمي باسم الكرملين عن إلغاء العرض هذا العام، موضحًا أن القرار جاء لأسباب أمنية، دون الخوض في التفاصيل. وجاء هذا الإلغاء في وقت حساس للغاية، حيث ترى القيادة الروسية أن هذا النوع من الاحتفالات يعكس قوة البلاد البحرية وعراقتها التاريخية في هذا المجال، ما يعني أن إلغاءه ليس مجرد إجراء عابر، بل يعكس حجم التحديات الأمنية التي باتت تواجهها روسيا حتى في مدنها الكبرى.
الهجوم بالطائرات المسيّرة، الذي وقع بينما كان بوتين في المدينة، يُعد رسالة رمزية قوية من الجانب الأوكراني، إذ تم استهداف مدينة سان بطرسبورغ، ثاني أكبر المدن الروسية وواحدة من أهم رموز البلاد السياسية والثقافية والعسكرية. كما أن توقيت الهجوم، المتزامن مع الزيارة الرئاسية، يزيد من حساسيته السياسية ويضع المؤسسة الأمنية الروسية أمام تساؤلات جدية حول قدرتها على التصدي للتهديدات الجوية غير التقليدية، خاصة مع تزايد استخدام الطائرات المسيّرة في الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين.
وتُعد هذه العملية واحدة من سلسلة هجمات بالطائرات المسيّرة شهدتها الأراضي الروسية في الأشهر الأخيرة، حيث باتت أوكرانيا تعتمد بشكل متزايد على هذا النوع من الأسلحة الذكية في ضرب أهداف داخل العمق الروسي، سواء لأغراض عسكرية أو رمزية. ومن خلال هذه الهجمات، تسعى كييف إلى نقل المعركة إلى قلب روسيا، في محاولة لخلق حالة من الإرباك والضغط السياسي على القيادة الروسية، خصوصًا في المناسبات الحساسة التي تبرز فيها الدولة الروسية قوتها أمام الداخل والخارج.
ورغم عدم صدور بيان رسمي من القيادة الروسية يحدد طبيعة الأضرار أو الخسائر الناتجة عن الهجوم، فإن إعلان إلغاء العرض البحري يعكس حجم القلق الذي تسبب فيه الهجوم، ويؤكد أن التهديد بات حقيقيًا حتى في المدن التي كانت تُعد حتى وقت قريب آمنة نسبيًا من تداعيات الحرب. كما يعزز هذا الحادث القناعة بأن ساحة المواجهة بين روسيا وأوكرانيا لم تعد تقتصر على الجبهات القتالية التقليدية، بل امتدت لتشمل أبعادًا استراتيجية داخلية، وهو ما ينذر بمزيد من التصعيد في المرحلة المقبلة.
في المجمل، فإن ما حدث في سان بطرسبورغ لا يمكن النظر إليه باعتباره حادثًا معزولًا، بل هو جزء من مشهد أمني متغير يعكس واقعًا جديدًا لحرب تتجاوز حدود الخنادق والجبهات لتطال رموز السيادة والدولة في العمق الروسي، وسط تعقيدات سياسية وعسكرية لا يبدو أنها ستتجه نحو التهدئة في المدى القريب.
اخبار العرب من المحيط للخليج اخبار العرب من المحيط للخليج