تشهد الأوساط الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية حالة من الاستنفار الحذر، بعد الكشف عن وجود استعدادات جارية داخل الولايات المتحدة لتنفيذ عملية إخلاء محتملة لرعاياها من كل من دولة الكويت ومملكة البحرين، في خطوة تعكس حجم القلق الذي بات يسيطر على واشنطن نتيجة التوترات الإقليمية المتصاعدة في منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام.
هذه التحركات تأتي في ظل مناخ إقليمي مضطرب، تغذيه الأزمات السياسية والأمنية المتفاقمة، إلى جانب تنامي احتمالات حدوث تصعيد عسكري في أكثر من بؤرة توتر، خاصةً في ظل تزايد التهديدات التي تطال القوات الأمريكية المنتشرة في القواعد العسكرية بكلا البلدين، فضلًا عن مخاوف واشنطن من تحول بعض مناطق الخليج إلى ساحات محتملة للصراع في حال اندلاع مواجهة شاملة بين أطراف إقليمية أو دولية.
وبحسب ما تم تداوله من معلومات، فإن السلطات الأمريكية شرعت في وضع خطط طوارئ دقيقة، تتضمن تنسيقًا متكاملًا بين وزارات الدفاع والخارجية والأمن الداخلي، وذلك من أجل ضمان إمكانية تنفيذ عملية إخلاء سريعة وآمنة في حال وقوع أي تطورات مفاجئة تهدد حياة المواطنين الأمريكيين المقيمين أو العاملين في الكويت والبحرين. وتشمل هذه الخطط تجهيز وسائل النقل الجوي والبحري، وتحديد نقاط تجمّع، وتحديث بيانات المواطنين الموجودين في تلك الدول، إلى جانب تعزيز الإجراءات الأمنية في المنشآت الأمريكية الحيوية.
ولم تُصدر الولايات المتحدة حتى الآن أي قرار رسمي بإجلاء رعاياها من الدولتين، لكن مجرد اتخاذ خطوات تمهيدية في هذا الاتجاه يُعد مؤشراً بالغ الدلالة على حجم القلق الأمريكي من تحوّل منطقة الخليج إلى ساحة مواجهة جديدة، خاصةً في ظل التصعيد المستمر بين إيران والولايات المتحدة وحلفائها، وتورط وكلاء إقليميين في أنشطة معادية قد تستهدف المصالح الأمريكية أو منشآت النفط والطاقة في الخليج العربي.
ويرى مراقبون أن البحرين، التي تحتضن مقر الأسطول الخامس الأمريكي، والكويت، التي تضم عددًا كبيرًا من القواعد والمستشارين العسكريين الأمريكيين، تُمثلان نقاط ارتكاز استراتيجية للوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، وهو ما يجعلهما عرضة لأي استهداف مباشر أو غير مباشر إذا ما توسعت دائرة المواجهات. ولذلك، فإن أي اضطرابات أمنية مفاجئة قد تدفع واشنطن إلى اتخاذ قرار عاجل بالإجلاء، حفاظًا على أرواح رعاياها.
من جانب آخر، تتابع حكومات الدولتين الخليجيتين هذه التحركات الأمريكية بكثير من الجدية، حيث تبدي كل من الكويت والبحرين تعاونًا كاملاً مع الجانب الأمريكي في ما يخص حماية البعثات الدبلوماسية والرعايا الأجانب، مع تأكيد حرصها على استقرار الأوضاع الأمنية في أراضيها، ورفضها لتحويل أراضيها إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية أو الإقليمية.
ويُشار إلى أن الولايات المتحدة سبق أن لجأت إلى عمليات إخلاء مماثلة في مناطق شهدت تصاعدًا دراماتيكيًا في حدة التهديدات، كما حدث في أفغانستان ولبنان واليمن، ما يعني أن هذا النوع من التحرك ليس مجرد إجراء روتيني، بل يأتي غالبًا كرد فعل على تحذيرات استخباراتية تشير إلى احتمالية وقوع أحداث قد تشكل خطرًا مباشرًا على أمن الأمريكيين في الخارج.
وفي هذا السياق، فإن التحركات الأمريكية الراهنة تعكس رغبة واضحة في الاستعداد لأي سيناريو، سواء كان محدودًا أو واسع النطاق، وهو ما يؤكد أن واشنطن تراقب بدقة ما يجري في منطقة الخليج، وتتحسب لما قد تحمله الأيام المقبلة من تطورات قد تعيد رسم خريطة التوازنات في الإقليم بأكمله.