يشهد العالم العربي نقلة نوعية في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث دخلت دول المنطقة، وعلى رأسها السعودية والإمارات، بقوة في هذا المجال من خلال إطلاق برامج ومبادرات متطورة تستهدف تعزيز القدرات الوطنية في الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على تطبيقاته في قطاع التصنيع والتقنيات الحديثة. وتأتي هذه الخطوة في ظل المنافسة العالمية المحتدمة بين كبرى الشركات والدول لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل ChatGPT الأمريكي وDeepSeek الصيني، حيث تسعى الدول العربية إلى بناء منظومة متكاملة تعزز من مكانتها التكنولوجية وتدعم التنمية الاقتصادية المستدامة.
في الإمارات، يشرف البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي على إطلاق برامج تدريبية متخصصة بالشراكة مع جامعة برمنغهام البريطانية، تهدف إلى تأهيل الكوادر الوطنية وتمكينها من فهم أحدث التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، مع التركيز على التحديات الأمنية والأخلاقية المرتبطة به. كما تعمل الإمارات على تطوير نماذج ذكاء اصطناعي باللغة العربية، ما يسهم في توسيع نطاق استخدام هذه التقنيات في العالم العربي، ويدعم الابتكار في مختلف القطاعات مثل التعليم والصحة والخدمات الحكومية.
أما في السعودية، فقد وضعت رؤية 2030 الذكاء الاصطناعي في قلب استراتيجيات التنمية، حيث أنشأت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) التي تلعب دوراً محورياً في تنظيم القطاع وتحفيز الأبحاث والابتكار. وتستثمر المملكة بشكل كبير في بناء بنية تحتية متقدمة للذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى دعم الشركات الناشئة وتطوير حلول مبتكرة تعتمد على تقنيات تعلم الآلة ومعالجة اللغة الطبيعية والرؤية الحاسوبية، ما يجعلها منافساً قوياً على الساحة العالمية.
كما تشهد المنطقة استثمارات ضخمة في مراكز البيانات والتقنيات الذكية، مع مشاريع مشتركة بين القطاعين الحكومي والخاص، تشمل إنشاء مجمعات صناعية تعتمد على الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وتطوير مراكز أبحاث متقدمة. ويبرز هذا التوجه في مبادرات مثل أسبوع دبي للذكاء الاصطناعي الذي يجمع آلاف الخبراء والمستثمرين من مختلف أنحاء العالم، ويشكل منصة حيوية لتبادل المعرفة وتعزيز التعاون الدولي.
وتعكس هذه الخطوات الطموحة رغبة واضحة في تحويل الذكاء الاصطناعي إلى محرك رئيسي للنمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية في المنطقة، مع التركيز على تمكين الشباب وتطوير المهارات الرقمية، وتحقيق التكامل بين التكنولوجيا والقطاعات التقليدية مثل التصنيع والخدمات. ومن المتوقع أن تسهم هذه البرامج والمشاريع في تعزيز مكانة السعودية والإمارات كمراكز إقليمية وعالمية للابتكار التكنولوجي، وتفتح آفاقاً جديدة للشراكات الدولية في مجال الذكاء الاصطناعي.
في ضوء هذه التطورات، يبدو أن العالم العربي قد بدأ فعلياً في دخول عصر الذكاء الاصطناعي عبر بوابة التصنيع والتقنيات الحديثة، معززا بذلك موقعه في خارطة التكنولوجيا العالمية، ومؤكداً قدرته على المنافسة والإبداع في واحدة من أهم مجالات المستقبل.