شهدت الساحة السياسية الإسرائيلية خلال الساعات الأخيرة عاصفة من التوتر والجدل الواسع، بعد تصريحات أطلقها الجنرال السابق وعضو الكنيست الحالي يائير غولان، أثارت غضبًا شديدًا داخل الأوساط السياسية والعسكرية، وفاقمت من حدة الانقسامات المتصاعدة أصلًا داخل إسرائيل منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر الماضي.
غولان، الذي يُعد من الشخصيات المثيرة للجدل داخل إسرائيل، خرج بتصريحات وصفت بأنها غير مسبوقة من حيث الحدة والصراحة، موجهًا انتقادات لاذعة إلى القيادة السياسية الحالية وعلى رأسها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، متهمًا إياها بتقويض أسس الدولة ومصادرة مستقبلها من خلال ما وصفه بـ”التهور السياسي والعسكري” الذي قاد البلاد إلى حافة الانهيار.
وفي تصريحاته، اتهم غولان حكومة نتنياهو بأنها لم تعد تمثل الشعب، وأن استمرارها في الحكم يهدد القيم الديمقراطية التي قامت عليها الدولة العبرية. كما أشار إلى أن الإدارة الحالية تواصل دفع المجتمع الإسرائيلي نحو مزيد من الانقسام، مؤكدًا أن ما تشهده إسرائيل اليوم ليس فقط أزمة أمنية بسبب الحرب في غزة، بل أزمة وجودية داخلية تضرب في العمق.
وتحدث غولان عن “فقدان البوصلة الأخلاقية” في أداء الحكومة، منتقدًا طريقة إدارة الحرب وغياب الأهداف الواضحة، كما حذر من أن الدولة تسير نحو واقع مرير، حيث يتآكل فيها النظام الديمقراطي تحت وطأة قرارات غير محسوبة وشعبوية، تستغل مشاعر الخوف والغضب لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة.
أثارت هذه التصريحات عاصفة من ردود الفعل داخل المؤسسة السياسية، حيث سارع عدد من الوزراء وأعضاء الكنيست إلى مهاجمة غولان واتهامه بالتحريض وزعزعة استقرار الدولة. واعتبر بعضهم أن ما قاله يرقى إلى مستوى “الخيانة السياسية” في وقت تواجه فيه إسرائيل تحديات أمنية وجودية.
وفي المقابل، لقيت تصريحات غولان دعمًا من بعض قوى المعارضة ونخب فكرية وأكاديمية ترى في كلماته تعبيرًا صادقًا عن إحباط واسع في أوساط الإسرائيليين من أداء الحكومة الحالية، خاصة بعد فشلها في تحقيق انتصارات حاسمة في غزة، ومع استمرار الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، وتصاعد الضغط الدولي على إسرائيل بسبب أعداد الضحايا المدنيين.
وتأتي هذه التصريحات لتكشف حجم الغليان داخل إسرائيل، ليس فقط على مستوى الشارع الذي بدأ يفقد الثقة في قيادته، بل أيضًا داخل النخب السياسية والعسكرية، مما ينذر بمزيد من الانقسامات وربما تغييرات جذرية في المشهد السياسي في حال استمرت الحرب دون أفق واضح للحل.
في هذا السياق، يرى مراقبون أن ما قاله يائير غولان قد يشكل نقطة تحول في الخطاب الداخلي الإسرائيلي، ويؤشر إلى بدء تفكك الجبهة الداخلية، التي كانت لفترة طويلة متماسكة رغم الأزمات. كما تفتح هذه التصريحات الباب أمام تساؤلات خطيرة حول قدرة الحكومة على البقاء في السلطة في ظل هذه العاصفة السياسية، وحول ما إذا كان المجتمع الإسرائيلي على وشك دخول مرحلة جديدة من التمرد السياسي أو حتى التغيير الجذري في بنيته القيادية.
وبينما تستمر الحرب في غزة، ومع تصاعد الضغوط الخارجية والداخلية، يبدو أن إسرائيل دخلت مرحلة اضطراب سياسي عميق قد تكون لها انعكاسات خطيرة على مستقبل الدولة واستقرارها.