تمر اليوم خمسة وعشرون عاماً على توقيع معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل، التي مثلت نقطة تحول مهمة في تاريخ العلاقات بين البلدين، وجعلت الأردن ثاني دولة عربية بعد مصر توقع اتفاق سلام مع إسرائيل. جاءت هذه المعاهدة، المعروفة باسم اتفاقية وادي عربة، بعد سنوات من التوتر والصراع في المنطقة، ووسط جهود دولية وإقليمية مكثفة لتحقيق السلام وإنهاء حالة العداء التي استمرت لعقود.
بدأت قصة السلام بين الأردن وإسرائيل في أجواء معقدة، حيث كان الملك الحسين بن طلال يستشير قادة عرباً مثل الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس السوري حافظ الأسد حول كيفية التعامل مع التطورات التي أعقبت اتفاقيات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. رغم تحفظات بعض الأطراف، نجحت الضغوط الأمريكية بقيادة الرئيس بيل كلينتون في دفع الأردن نحو مفاوضات سلام، واختتمت بالتوقيع الرسمي في 26 أكتوبر 1994 في وادي عربة، بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين والملك حسين والرئيس الأمريكي كلينتون.
تضمنت المعاهدة بنوداً هامة مثل ترسيم الحدود بين البلدين، التطبيع الكامل للعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، التعاون الأمني، والاعتراف بحق الأردن في الوصاية على الأماكن الإسلامية في القدس، إضافة إلى التعاون في قضايا المياه واللاجئين الفلسطينيين. وقد ساهمت هذه الاتفاقية في استعادة الأردن لأراضيه المحتلة، وتعزيز دوره في دعم القضية الفلسطينية من خلال تسهيل مرور المساعدات إلى قطاع غزة، وتقديم خدمات علاجية وتعليمية للفلسطينيين.
رغم مرور ربع قرن على توقيع الاتفاقية، لا تزال العلاقات بين الأردن وإسرائيل تشهد توتراً في بعض الفترات، خاصة مع تصاعد الأزمات في المنطقة، والحرب المستمرة في قطاع غزة التي أثرت على المشاعر الشعبية والسياسية في الأردن. ورغم ذلك، يحافظ البلدان على حد أدنى من التعاون والاحترام المتبادل، ويستمران في الالتزام الرسمي بالمعاهدة التي تعتبر إطاراً أساسياً لتحقيق السلام والاستقرار.
في السنوات الأخيرة، شهدت الاتفاقية انتقادات داخلية في الأردن، حيث اعتبرها البعض وثيقة “يعلوها الغبار” بسبب الظروف الراهنة، في حين يؤكد المسؤولون الأردنيون أن إلغاء الاتفاقية لن يخدم مصالح الأردن أو الفلسطينيين، بل قد يزيد من تعقيد الأوضاع. ويشير الأردن إلى أن الاتفاقية ما زالت أداة مهمة لحماية مصالحه الوطنية ودعم الشعب الفلسطيني، رغم التحديات التي تواجهها.
تظل معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية مثالاً على إمكانية التوصل إلى تفاهمات تاريخية رغم الصعوبات، وتعكس أهمية الحوار والوساطة الدولية في حل النزاعات. ورغم كل التحديات، فإنها تمثل قاعدة يمكن البناء عليها لتحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة، وهو الهدف الذي لا تزال دول المنطقة والمجتمع الدولي يسعون إليه.