في مقاله المنشور على الجزيرة نت، يستعرض جلال الورغي، مدير المركز المغاربي للبحوث والتنمية، العوامل المتعددة التي أدت إلى تراجع الدبلوماسية التونسية على المستوى الدولي، مقارنة بما كانت عليه تونس من تألق وانفتاح دبلوماسي منذ نيلها الاستقلال. يشير الورغي إلى أن تونس، التي كانت نموذجًا في الانفتاح السياسي والدبلوماسي خلال العقود الأولى بعد الاستقلال، شهدت تغيرات جذرية في نهجها الخارجي، انعكست سلبًا على مكانتها في المحافل الدولية.
يشرح الكاتب أن الدبلوماسية التونسية عانت من تحديات داخلية عدة، أبرزها الانقسامات السياسية المتكررة وتغير الأولويات الوطنية، مما أثر على قدرتها في صياغة سياسة خارجية متماسكة وفعالة. كما يشير إلى أن الإدارة الحالية لم تستطع استثمار الإنجازات التي حققتها تونس خلال الثورة والانتقال الديمقراطي، حيث فشلت في الترويج لصورة تونس كنموذج ديمقراطي ناجح في المنطقة، وهو ما كان من الممكن أن يعزز من مكانتها الدولية ويجذب الدعم الاقتصادي والسياسي.
ويبرز الورغي أن تونس لم تستثمر بشكل كافٍ في دبلوماسيتها الاقتصادية، حيث بقيت المبادرات والبرامج مجرد شعارات دون خطط تنفيذية واضحة وفعالة، مما أدى إلى تراجع دورها في المحافل الاقتصادية العالمية، وغيابها عن قمة دافوس وغيرها من المنتديات الدولية المهمة. كما يشير إلى أن السياسة الخارجية التونسية اتسمت بالحياد المفرط في ملفات إقليمية حساسة، مثل الأزمة الليبية، مما سمح لدول أخرى بالهيمنة على المشهد الإقليمي، وأضعف من قدرة تونس على حماية مصالحها الوطنية.
ويضيف المقال أن التوترات في العلاقات مع بعض الدول الجارة، مثل المغرب، نتيجة مواقف تونس الأخيرة في القضايا الإقليمية، زادت من عزلة تونس الدبلوماسية، حيث انعكس ذلك في غياب التنسيق والتفاهم بين الدولتين، وهو ما أثر على استقرار المنطقة وأضعف من فرص التعاون المشترك. كما يشير إلى تصريحات مثيرة للجدل صدرت عن بعض المسؤولين التونسيين، والتي أثرت سلبًا على صورة تونس الخارجية وأثارت ردود فعل دولية متباينة.
في المجمل، يرى جلال الورغي أن تونس بحاجة إلى إعادة النظر في استراتيجيتها الدبلوماسية، وتبني رؤية جديدة تتناسب مع التحولات العالمية والإقليمية، تركز على تعزيز العلاقات الدولية، وتنويع الشراكات الاقتصادية، والتمسك بالمبادئ الوطنية التي تعزز من مكانتها ودورها الفاعل في المنطقة. ويؤكد أن نجاح هذه الرؤية يتطلب توافقًا داخليًا قويًا، وقيادة دبلوماسية قادرة على استثمار الفرص والتعامل مع التحديات بمرونة وحكمة، لتعود تونس إلى مكانتها المرموقة التي كانت تحتلها في السابق على الساحة الدولية.