في خطوة أثارت جدلاً واسعاً على الساحة الدولية، طالب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالسماح للسفن العسكرية والتجارية الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما، مدعياً أن هاتين القناتين لم تكونا لتوجدا لولا الولايات المتحدة الأمريكية. جاء هذا المطلب في منشور له على منصة التواصل الاجتماعي الخاصة به، حيث أكد أنه طلب من وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن يتولى هذا الأمر على الفور، معتبراً أن السماح للسفن الأمريكية بالعبور دون دفع أي رسوم هو حق يجب أن يُمنح لبلاده.
هذا التصريح أثار ردود فعل متباينة، حيث شدد ناشطون ومراقبون على أن الولايات المتحدة لا علاقة لها بتأسيس قناة السويس، التي تعد من أهم الممرات المائية العالمية وأحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد المصري والعالمي، وأنها كانت ثمرة جهود مصرية خالصة، بالإضافة إلى كونها ممرًا دوليًا يخضع للقوانين والاتفاقيات الدولية التي تحكم حركة الملاحة البحرية. وأشار هؤلاء إلى أن السماح بمرور مجاني للسفن الأمريكية دون دفع الرسوم المعتادة سيؤدي إلى خسائر اقتصادية فادحة لمصر، التي تعتمد بشكل كبير على إيرادات قناة السويس كمصدر رئيسي للدخل القومي.
قناة السويس، التي تربط بين البحرين المتوسط والأحمر، تلعب دورًا حيويًا في تسهيل حركة التجارة العالمية، حيث توفر على السفن آلاف الكيلومترات مقارنة بالطرق البحرية التقليدية حول رأس الرجاء الصالح. وتفرض مصر رسوم عبور على السفن العابرة للقناة، والتي تشكل جزءًا مهمًا من ميزانيتها، مما يجعل أي تعديل على هذه الرسوم أمرًا ذا تأثير اقتصادي وسياسي بالغ الأهمية. من ناحية أخرى، قناة بنما التي افتتحت في أوائل القرن العشرين، كانت تحت السيطرة الأمريكية حتى عام 1999، لكن السيطرة الآن تعود إلى بنما، مما يجعل طلب ترامب بشأنها أقل إثارة للجدل مقارنة بقناة السويس.
الطلب الأمريكي يأتي في سياق تصاعد الضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارسها الولايات المتحدة لتعزيز نفوذها في الممرات البحرية الاستراتيجية، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة في مناطق عدة حول العالم. وقد سبق لترامب أن أعرب عن رغبته في استعادة السيطرة على قناة بنما، مهدداً باستخدام القوة الاقتصادية أو العسكرية لتحقيق ذلك، مما أثار قلق العديد من الدول والمنظمات الدولية.
من جانبها، تتابع مصر هذه التطورات بحذر، مؤكدة على سيادتها الكاملة على قناة السويس وحقها في إدارة الممر المائي بما يخدم مصالحها الوطنية والعالمية. وتعتبر القاهرة أن أي محاولة لفرض شروط خاصة على مرور السفن الأمريكية دون دفع الرسوم المعتادة يشكل انتهاكًا للقوانين الدولية ويهدد الاستقرار الاقتصادي للبلاد.
في ظل هذه الأجواء، يبقى ملف عبور السفن عبر القناتين محوراً حساساً يتطلب توازناً دقيقاً بين المصالح الدولية وحقوق الدول المالكة لهذه الممرات الحيوية. ويبدو أن مطالب ترامب ستظل محل نقاش وجدل في الأوساط السياسية والاقتصادية، خاصة مع تزايد أهمية هذه القنوات في حركة التجارة العالمية والتنافس الدولي على النفوذ البحري.
في النهاية، يعكس هذا المطلب الأمريكي تصاعد التوترات في العلاقات الدولية حول قضايا السيطرة على الممرات البحرية الاستراتيجية، ويبرز الحاجة إلى حوار دبلوماسي متوازن يحترم سيادة الدول ويضمن حرية الملاحة البحرية بما يخدم مصالح جميع الأطراف.