[ad_1]
وصلت الجزائر إلى نهائي أمم إفريقيا بعد غياب 29 عاماً تحت قيادة مدربها الوطني جمال بلماضي، ومجموعة من النجوم المحترفين في أوروبا، لكن لم تكن رحلة المحاربين إلى استاد القاهرة محض صدفة.
قبل البطولة لم يكن الفريق الجزائري هو المُرشح الأول للفوز باللقب، خاصة وأن “الخُضر” لم يعرفوا طريق النهائي منذ 1990 عندما توجوا للمرة الأولى والأخيرة باللقب الإفريقي.
ومع أول ظهور للجزائر في القاهرة على ملعب الدفاع الجوي، بدأت التساؤلات، كيف وصلت الجزائر إلى هذا المستوى مع بلماضي؟ وهل يمكن أن تحقق اللقب أخيراً بعد كل هذه السنوات؟
كيف فارَت الجزائر؟
وصل الفريق الأخضر إلى حالة “فوران” مع المدرب الوطني جمال بلماضي، يُقدم أداءً جيداً في أغلب الأوقات، يدافع بامتياز ويهاجم بكل سلاسة بكل الطُرق الممكنة في كرة القدم.
المحاربون لديهم طريقة لعب ثابتة لا تتغير على مدار مباريات البطولة، وكذلك التشكيل ثابت باستثناء المباراة الختامية في المجموعة ضد تنزانيا التي شارك فيها البدلاء وفازوا بثلاثية نظيفة.
(4-2-3-1)، هي نفسها التي تتحول إلى (4-5-1) في الحالات الدفاعية، و(4-1-4-1) في حالات الهجوم، وما أكثرها للجزائر.
ورغم وجود أسماء كبيرة وواعدة على مقاعد البدلاء أمثال ياسين براهيمي وآدم وناس، إلا أن المدرب جمال بلماضي لا يقوم بتغييرات على التشكيل الأساسي إلى في حالات الطوارئ.
شفرة قديورة
الأنظار تتجه دائماً إلى رياض محرز عندما تُذكر الجزائر، وبنسبة أقل إلى بغداد بونجاح، لكن لعل الدور الأبرز في ماكينة الـ11 ترساً التي صنعها بلماضي، هو ذلك الذي يلعبه بإتقان عدلان قديورة.
متوسط الميدان رقم 6 الدفاعي المثالي، منح فريق بلماضي التوازن المطلوب بين الدفاع والهجوم، ممثلاً الشفرة التي يفشل أغلب المدربين في حلها، فيعتمدون على أداء دفاعي فقط، أو هجومي فقط.
قديورة يُشكل غطاءً دفاعياً أشبه بسواتر الصواريخ في الحروب، خلف شريكه في الوسط إسماعيل بن ناصر، ومعاونهما سفيان فيجولي، وذلك عندما يتقدما للأمام ليتركا خلفهما عدلان متحفزاً لأي محاولة هجومية من الخصم.
هنا يُمثل قديورة مركز لاعب الارتكاز الدفاعي الوحيد في طريقة (4-1-4-1)، يقف بالقرب من رباعي الوسط الهجومي الذين يتشكلون بوجود بن ناصر وفيجولي وبلايلي ومحرز، يتسلم منهم التمريرات ويعيدها إليهم وعينه على خط الدفاع الذي يكون بالقرب منه أيضاً.
تناغم مُثير للإعجاب يصنعه بلماضي بين الخطوط بواسطة عدلان قديورة، القادر على الربط بين رباعي الدفاع ورباعي الوسط الهجومي وكأنه خط رابع في الملعب بمفرده.
وفي حالات الدفاع، يتحول قديورة إلى مدافع ثالث متقدم بين قلبي الدفاع جمال بلعمري وعيسى ماندي، ويتحول الساتر إلى حائط صد قوي بين ثلاثي دفاعي يجعل الاختراق أمراً شديد الصعوبة على المنافس.
مناورة محرز
رغم وجود رياض محرز أحد أفضل لاعبي العالم على الرواق الأيمن للفريق الجزائري، ومن خلفه يوسف عطال صاحب القدرات الهجومية المميزة والذي تعرض للإصابة وغاب عن نصف النهائي، إلا أن الجزائر باغتت منافسيها بتركيز الهجوم على الناحية المُعاكسة.
بلايلي على الجهة اليسرى ومن خلفه رامي بن سبعيني شكلا خطورة مستمرة على المنافسين الذين كانوا ينتظرون الضربات الجزائرية من جبهة محرز وعطال، فتعرضوا للإرباك.
محرز لم يكتف بالمشاهدة وشد انتباه الدفاع والمدربين، فقد تم استخدامه بالدخول إلى عمق الملعب والتحرك عرضياً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وبهذه الطريقة صنع عدة فرصة في غاية الخطورة له ولزملائه وسجل هدفاً في كينيا، قبل أن يضيف هدفاً ثانياً في سجله في شباك غينيا ولكن من موقعه الأساسي في الجناح الأيمن، وبالتأكيد لا ينسى أحد هدفه الثالث في نيجيريا من ركلة ثابتة في الوقت المحتسب بدلاً من الضائع.
اكتشاف البطولة
عادةً ما يظهر لاعب مميز خلال بطولة أمم إفريقيا يُصبح بعد ذلك أحد أبرز نجوم القارة السمراء، وهو ما حدث مع إسماعيل بن ناصر أفضل لاعب في البطولة خلال منافسات الدور الأول.
بن ناصر هو الذي يقدم الدعم الكامل لعدلان قديورة ليتمكن من القيام بدوره، وهو الذي يُمهد طريق فيجولي وبلايلي ومحرز للانطلاق في دفاعات الخصوم، ويقدم لهم المساندة الدفاعية على طرفي الملعب.
بن ناصر تحصّل على عدة شهادات بعد دوره المُبهر مع الجزائر، كان أبرزها من “كاف” الذي منحه لاعب البطولة في الدور الأول، وأهمها من ميلان الذي تقول صحيفة “كالتشو ميركاتو” أنه سيضمه بعد ساعات من النهائي، حيث سيجري الفحص الطبي الاثنين الذي يلي جمعة النهائي.
بن ناصر هو اللاعب رقم 8 المثالي لماكينة جمال بلماضي التي تعمل مثل الحاسبات الآلية بنسبة تكاد تكون منعدمة من الأخطاء، وبالإضافة إلى مساندته الدفاعية نجح في صناعة هدفين حتى الآن في البطولة.
ينصهر بن ناصر بين ثلاثي الوسط الهجومي فيجولي ومحرز وبلايلي ويجعلهم أربعة دون أن يشعر زملائه بأنه أقل في مستوى التمريرات والتسديدات والمراوغات، ثم يعود لمعاونة قديورة بطاقة دفاعية كبرى.
أدوار أخرى
الحديث عن الفريق الجزائري وتفاصيله تستدعي أيام من الكتابة تُخلف ساعات من القراءة، فهناك الكثير من الأدوار الأخرى المميزة في الفريق الأخضر بخلاف تلك الممنوحة لمحرز وقديورة وبن ناصر.
المهاجم بغداد بونجاح الذي تناغم مع كل طرق الهجوم لفريقه خلال البطولة هو صاحب أحد أهم الأدوار في خطة بلماضي، ففي بداية البطولة أمام المنتخب الكيني اعتمدت الجزائر على الكرات العالية والطولية والعكسية، وكان بونجاح يفوز بأغلبها.
وعندما اخترقت الجزائر من العمق كان بغداد يتملص من المدافعين ببراعة ويحاول على مرمى الخصوم بشكل مستمر يكفي لكي لا تلومه بسبب عدم تسجيله لعدد وافر من الأهداف في البطولة، لأنه يحاول دائماً وينجح، ويغيب عنه التوفيق فقط.
رامي بن سبعيني الظهير الأيسر المميز في الجزائر شكّل جبهة يسرى رائعة ليوسف بلايلي ساهمت في تخفيف الضغط والرقابة من على الجبهة الأخرى التي ينتظر فيها رياض محرز وعطال قبل إصابته.
الفريق الجزائري الفائر يستحق أن يكون هو الفائز بالبطولة بعد العمل الكبير الذي قدمه المدرب بلماضي مع لاعبيه خلال مشوار المسابقة، لكن عقبة واحدة فقط تحول بينه وبين اللقب الغائب، تلك العقبة هي أسود السنغال ومروضهم أليو سيسيه، لكن هذه قصة أخرى.