اخبار العرب من المحيط للخليج

شهدت العاصمة السورية دمشق حدثاً دبلوماسياً بارزاً باستقبال الرئيس السوري أحمد الشرع لنظيره الفلسطيني محمود عباس، في أول زيارة رسمية للرئيس الفلسطيني إلى سوريا منذ نحو ستة عشر عاماً. هذه الزيارة التي جاءت بعد فترة طويلة من الانقطاع، تعكس رغبة مشتركة في إعادة تفعيل العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، وتعزيز التعاون في ظل التحديات السياسية والأمنية التي تواجه المنطقة.

وقد وصل عباس إلى دمشق قادماً من العاصمة الأردنية عمان، في خطوة لم تكن سهلة بسبب العراقيل التي وضعتها السلطات الإسرائيلية، حيث استدعى الأمر اتصالات مكثفة ومفاوضات مع أطراف إقليمية للسماح له بمغادرة الأراضي الفلسطينية عبر الأردن. ويأتي هذا اللقاء في وقت حساس تشهد فيه الساحة الفلسطينية تصعيداً عسكرياً وسياسياً، خاصة في قطاع غزة والضفة الغربية، إضافة إلى استمرار تداعيات النزاع السوري الذي أثر بشكل مباشر على اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.

خلال اللقاء الذي عقد في قصر الشعب بحضور وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ناقش الرئيسان آخر التطورات على الساحة الفلسطينية، حيث استعرض عباس الجهود الدبلوماسية المبذولة لوقف العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، وضرورة إدخال المساعدات الإنسانية والطبية إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى بحث آليات إعادة الإعمار دون تهجير السكان. كما أكد عباس حرص القيادة الفلسطينية على تعزيز العلاقات مع سوريا، وتسهيل معاملات الفلسطينيين المقيمين في الأراضي السورية، الذين يشكلون جزءاً مهماً من النسيج الاجتماعي السوري.

وتأتي هذه الزيارة في ظل تقديرات الأمم المتحدة التي تشير إلى أن عدد الفلسطينيين في سوريا قبل اندلاع النزاع في عام 2011 كان يقارب 560 ألف شخص، بينما انخفض العدد حالياً إلى نحو 438 ألفاً نتيجة النزوح والتهجير، مع وجود نسبة كبيرة منهم نازحين داخل البلاد. ويشكل هذا الملف أحد أهم الملفات التي تم بحثها بين الطرفين، حيث تم التطرق إلى ضرورة إعادة إعمار مخيم اليرموك الذي يعد مركز الشتات الفلسطيني في سوريا، والذي تعرض لأضرار كبيرة خلال سنوات الحرب.

كما بحث الرئيسان التهديدات المشتركة التي تواجه سوريا وفلسطين، خاصة في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية والتدخلات الخارجية التي تهدد استقرار المنطقة. وأكد الطرفان على أهمية التنسيق المشترك لمواجهة هذه التحديات، والحفاظ على الحقوق الوطنية والسيادة لكل من الشعبين. كما تم التطرق إلى أهمية دعم الحلول السياسية التي تحقق السلام والاستقرار وفقاً للمرجعيات الدولية.

رافق الرئيس الفلسطيني في زيارته وفد رفيع المستوى من منظمة التحرير الفلسطينية، ضم أمين سر اللجنة التنفيذية حسين الشيخ وعضو اللجنة التنفيذية أحمد مجدلاني، حيث أكدوا على أهمية هذه الزيارة في تعزيز العلاقات الفلسطينية-السورية وتطويرها بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين.

تعد هذه الزيارة نقطة تحول في العلاقات بين سوريا وفلسطين، خصوصاً بعد فترة طويلة من التوترات والانقطاع بسبب الحرب في سوريا، حيث كانت آخر زيارة لعباس إلى دمشق في عام 2009 حين التقى الرئيس السوري السابق بشار الأسد. ومنذ ذلك الحين، اقتصرت الاتصالات على تبادل الرسائل والوفود غير الرسمية، مما جعل هذه الزيارة الرسمية فرصة لإعادة إطلاق صفحة جديدة من التعاون والتنسيق.

ويأتي هذا اللقاء في ظل تحولات إقليمية ودولية تتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث تسعى القيادة الفلسطينية إلى تحريك ملف السلام عبر جهود دبلوماسية مع دول عربية وغربية، بما في ذلك تحركات مع الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية، بهدف تحقيق حل الدولتين على أساس الشرعية الدولية. كما تستعد القيادة لعقد مؤتمر دولي للسلام في نيويورك خلال الأشهر المقبلة.

في المجمل، تعكس زيارة محمود عباس إلى دمشق رغبة واضحة في تعزيز التضامن العربي الفلسطيني، وإعادة بناء الجسور التي تأثرت بفعل الأحداث السياسية والأمنية في المنطقة. وتؤكد هذه الخطوة على أهمية الدور السوري في القضية الفلسطينية، وعلى التزام الطرفين بمواجهة التحديات المشتركة والعمل معاً من أجل تحقيق الأمن والاستقرار لشعوبهما في ظل أجواء إقليمية معقدة.