اخبار العرب من المحيط للخليج

باتت حركة حماس تعتمد بشكل واضح على خيار إبرام صفقة شاملة من خلال “رزمة واحدة” تشمل وقف إطلاق نار دائم في قطاع غزة، بعد أن فشلت كل الجهود السابقة في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية. هذا التوجه الجديد يعكس إدراك الحركة بأن الحلول الجزئية أو التهدئة المؤقتة لم تعد مجدية في ظل استمرار التصعيد الإسرائيلي والرفض المتكرر للمقترحات التي لا تلبي شروطها الأساسية.

مصادر مطلعة من داخل حماس أوضحت أن الحركة تدرس حالياً مقترحاً إسرائيلياً قُدم لها عبر الوسطاء، لكنه قوبل بالرفض بسبب بنوده التي تتضمن نزع سلاح الفصائل الفلسطينية ورفض الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة، بالإضافة إلى عدم وجود ضمانات لوقف إطلاق النار بشكل نهائي. وبدلاً من ذلك، تؤكد حماس على ضرورة التوصل إلى صفقة شاملة تشمل إطلاق جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لديها مقابل إطلاق عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، إلى جانب وقف كامل للحرب وبدء عملية إعادة إعمار القطاع وإنهاء الحصار المفروض عليه.

رئيس المكتب السياسي لحماس في غزة، خليل الحية، أكد في كلمة مقتضبة استعداد الحركة للدخول فوراً في مفاوضات الرزمة الشاملة، مشدداً على أن الاتفاق يجب أن يضمن الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية ووقف الحرب بشكل تام، معتبراً أن الاتفاقات الجزئية التي تسعى إليها حكومة بنيامين نتنياهو ليست سوى ذريعة لاستمرار سياسة الحرب والتجويع، ولن تكون حماس جزءاً من هذه السياسة مهما كلف الأمر.

وفي الوقت نفسه، تستند حماس في موقفها إلى تصريحات المبعوث الأمريكي لشؤون الرهائن، آدم بوهلر، الذي أكد إمكانية إنهاء الحرب وملف الأسرى معاً إذا أفرجت الحركة عن جميع الرهائن دفعة واحدة، وهو ما يتقاطع مع رؤية حماس التي تعتبر أن الحل الشامل هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة. كما أبدت حماس استعدادها للتواصل مع الوسطاء في أي وقت لتقديم مقترحات تتماشى مع محددات الإدارة الأمريكية، مع الحفاظ على شروطها الأساسية.

الرؤية الداخلية لحماس لا تقتصر على وقف إطلاق النار فقط، بل تتضمن استعداداً لوقف طويل الأمد يمتد لخمس سنوات، مع ضمانات إقليمية ودولية تضمن تنفيذ الاتفاق بشكل كامل. كما تشمل الصفقة إعادة إعمار غزة ورفع الحصار بشكل كامل، إلى جانب التوافق على آليات وتوقيتات محددة لتبادل الأسرى بشكل شامل.

أما بشأن إدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، فتشير مصادر من داخل الحركة إلى قبولها بفكرة تشكيل لجنة فلسطينية مستقلة من تكنوقراط لإدارة القطاع، وفق مقترح مصري يهدف إلى ضمان استقرار القطاع بعيداً عن الصراعات السياسية، مع استعداد حماس للتوافق الوطني مع الفصائل الفلسطينية الأخرى في هذا الشأن. ويُعتبر هذا الموقف محاولة لتجاوز الخلافات مع السلطة الفلسطينية التي ترفض حتى الآن توليها حكم القطاع، بينما ترفض إسرائيل أيضاً أي دور للسلطة في غزة، مما يعقد المشهد ويجعل الحل السياسي أكثر تعقيداً.

من جانب آخر، تستمر إسرائيل في تكثيف عملياتها العسكرية على قطاع غزة، رداً على رفض حماس للمقترحات الإسرائيلية، حيث يهدد هذا التصعيد بزيادة التوتر وتصعيد المواجهة. في المقابل، يرى محللون أن موقف حماس يعكس رغبتها في إنهاء الصراع بشكل نهائي من خلال صفقة شاملة تلبي مطالبها الأساسية، وهو ما يتوافق مع توجهات الإدارة الأمريكية التي تسعى إلى إنهاء الحرب قبل زيارة الرئيس الأمريكي المرتقبة إلى المنطقة.

في ظل هذه التطورات، تبدو المفاوضات في مرحلة حرجة جداً، حيث تتصارع مصالح الأطراف المختلفة بين السعي إلى حل شامل يضمن وقف الحرب بشكل دائم، وبين محاولات فرض حلول جزئية قد تؤدي إلى تجدد الصراع. وتبقى الأنظار متجهة إلى الوسطاء الدوليين والإقليميين الذين يحاولون تقريب وجهات النظر بين الأطراف، لكن حتى الآن لم يتم تحقيق اختراق حقيقي يضمن هدنة مستدامة تنهي معاناة سكان قطاع غزة وتعيد الاستقرار إلى المنطقة.